الفيزياء من حولنا
النظرية النسبية
مشاركة شذا الغامدي
النظرية النسبية العامة هي نظرية ترتكز على تفسير كيفية عمل قوى الجاذبية، و التي نشرها آلبرت آينشتاين عام ١٩١٥ كتكملة لنظرية النسبية الخاصة.
اكتسبت هذه النظرية مكانة كبيرة في قلوب جميع الفيزيائيين بسبب بساطتها و جمالها و قدرتها على اجتياز جميع التجارب التي تطبق عليها.
لفهم النسبية العامة يجب اولا ان نعود الى بعض المفاهيم الاساسية في علم الفيزياء، الجاذبية كانت اول قوة اكتشفت و تم تفسيرها من القوى الاربعة التي تحكم عالمنا (بجانب الكهرومغناطيسية، القوة النووية القوية و القوة النووية الضعيفة) و كما نعلم اول من فسرها كان إسحاق نيوتن بقانونه العام للجاذبية و الذي ينص على ان هناك قوى تجاذب بين جسمين تتناسب طرديا مع كتلتيهما و عكسيا مع مربع المسافة بينهما.
و هذا القانون عام ينطبق على جميع الاجسام، فكما تستطيع الشمس جذب الكواكب من حولها يستطيع جسمك ايضا جذب الاغراض من حوله لكن بشكل طفيف نسبة لكونك جسم صغير. مع ان نيوتن قام بتفسير دقيق لمدى قوة الجاذبية و بناء تنبؤات عليها كعمليتي المد و الجزر الا انه كان هناك عيب كبير فيها، فلم يستطع ان يعرف كيفية عملها او السبب الذي يجعل الاجسام تنجذب لبعضها من الأساس.
لتوضيح الخلل الذي كان يعتلي نظريته لنتخيل اولا اننا على اقرب نجم من كوكبنا الا و هو الشمس، لنفرض انني ذهبت هناك لآخذ اجازة بعيدا عن صخب الأرض، و قررت ان اكتب تغريدة لاعلن بها عن وصولي، تغريدتي هذه تحتاج الى ناقل يستطيع ارسالها الى هواتفكم و هذا الوسط الناقل هو الموجات الكهرومغناطيسية، و بما ان الموجات الكهرومغناطيسية تسافر بنفس سرعة الضوء و هي أقصى سرعة في هذا الكون، ستستغرق تغريدتي هذه ٨ دقائق لكي تصل الى كوكب الأرض، لان موجات الضوء الصادرة من الشمس تستغرق ٨ دقائق ضوئية للوصول الى الأرض.
1
هاك مثالا اخر لتوضيح الخلل في نظرية نيوتن بشكل اكبر:
لو فرضنا ان الشمس اختفت فجأة من نظامنا الشمسي، هنا حسب ما يقول نيوتن، ستنحرف الكواكب من مساراتها بشكل فوري، بمعنى آخر نيوتن كان يعتقد ان قوى الجاذبية تعمل بشكل آني و هذا ما شكل تناقضا، فحسب ما قاله آينشتاين في نظريته السابقة (النسبية الخاصة) انه لا يستطيع اي جسم تعدي سرعة الضوء، ولا حتى قوى الجاذبية.
فكان عليه ايجاد حل لهذا التناقض من اجل ان ينقذ نظريته.كان يحتاج الى نظرية هندسية جديدة يستطيع بها وضع الاسس لكي يبني عليها نظريته الجديدة للجاذبية.
بعد عدة سنوات قضاها في التفكير العميق استطاع ان يجد حلا ثوريا، فقد اقترح ان الفضاء من حولنا -على عكس ما اعتقده نيوتن- ليس مسطحا بل انه قابل للإنحناء ، بفرض ان الابعاد المكانية الثلاث (الطول، العرض، الإرتفاع) و بعد الزماني متحدين، بدليل اننا اذا اردنا مثلا ان نتتبع الزمان فإننا نتتبعه في المكان ايضا، فنقول ان اليوم هو كذا و الشهر هو كذا و السنة هي كذا و هي اشارات
للأوضاع المكانية التي تحتلها الارض حول الشمس. تخيلهم آينشتاين في نسيج واحد
نسيج في اصله مستوي لكن قد ينحني او يضطرب بسبب كتلة الاجسام، سماه آينشتاين ب(النسيج الزمكاني)، كان يأمل انه بمجرد فهمنا لهذه النظرية الهندسية الجديدة يمكننا فهم عمل الجاذبية، فهنا تظهر لنا صورة في منتهى البساطة و الجمال؛ فتخيلوا اننا اخذنا قطعة قماش و شددناها ثم وضعنا في منتصفها حجرة، هنا نلاحظ ان الحجرة غاصت في قطعة القماش، الآن ارمي كرة صغيرة سترى ان الكرة اخذت تدور في مسار دائري حول الحجرة. هناك طريقتين لتفسير هذه الظاهرة: نيوتن سيقول ان هناك قوى غير مرئية تدعى الجاذبية تنبعث من الحجرة و تجبر الكرة على تغيير مسارها. اما من مفهوم أينشتاين فهو ان الانحناء في قطعة القماش و التي سببها ثقل الحجرة اثرت على الكرة الصغيرة مما اجبرتها على ان تغير حركتها، بمعنى اخر تشوه الفضاء –اي قطعة القماش- من حول الكرة شدها الى اخذ مسار دائري حول الحجرة.
الآن فلنكبر المشهد اكثر، لنتخيل ان الحجرة هي الشمس و ان الكرة هي الارض و قطعة القماش هي نسيج الزمكان، سيفسر نيوتن انجذاب الارض الى الشمس بأنه هناك قوى خفية تسمى الجاذبية تشد الأرض الى الشمس. اما أينشتاين فسيقول انه لا يوجد اي قوة عجيبة تتكم بالأرض بل ان الانحناء في النسيج
2
الزمكاني الصادر عن كتلة الشمس يدفع الأرض الى الدوران حول الشمس، تماما كما تخلق السمكة (نتيجة حركتها في الماء) تيارا تسير فيه ذرات الغبار العالقة بالماء و يبدو على هذه الذرات انها تسير منجذبة الى السمكة لكنها في الواقع تتحرك وفقا للدوامة المائية و التيارات التي خلقتها السمكة، من الآخر قوى الجاذبية هي مجرد انحناءات في النسيج الزمكاني، الموضوع هو بهذه البساطة.
الارض تنجذب للشمس
بسبب خصائص المجال
الذي خلقته الشمس
لنعد قليلا الى فرضية اختفاء الشمس تلك و نفسرها من وجهة نظر آينشتاين: الآن عندما تختفي الشمس سيحصل هنا اضطراب في الزمكان، فسترسل موجات تسمى بموجات الجاذبية على سطح النسيج الزمكاني تشبه الموجات التي تصدر عند رمي قطعة حصى في ماء، و على حسب حسابات أينشتاين موجات الجاذبية تسافر بنفس سرعة الضوء، فلن نشعر بإختفاء الشمس الا بعد ان تصل لنا هذه الموجات اي بعد ٨ دقائق.
3
و من هذا المفهوم الجديد تنبأ آينشتاين بظاهرة تدعى تعدس الجاذبية، فكما يغير انحناء الزمكان مسار الكواكب فإنه يغير مسار الضوء ايضا.
انحراف شعاع
الضوء الصادر
من النجم
فلوا رصدنا ضوء نجم قريب من الشمس لوجدنا ان الشعاع القادم الينا منحرف ناحية الشمس. هذه كانت اول فكرة خضعت تحت الاختبار، لكن كانت المشكلة ان ظاهرة مثل هذه لا يمكن اختبارها الى ان يحين الكسوف.
و اول من اجرى ذلك الإختبار هو السير آرثر ادنجتون، و كانوا جميع الفيزيائيين في انتظار نتائج التجربة، في النهاية سجل المرصاد انحراف، فتبين ان آينشتاين كان محقا، و فور اعلان النتائج اصبح أينشتاين يذكر على لسان كل شخص سواء كان فيزيائيا ام مجرد رجل اعمال.
4
فمايزال الفيزيائيين حتى الآن يحصدون على جوائز نوبل من فتات مائدة أينشتاين. فقد كانت النظرية النسبية مصدر وحي لكثير من النظريات التي اتت بعدها، مثل الثقوب السوداء و توسع الكون.
5
المصادر:
•٥٠ فكرة يجب تعرفها عن الفيزياء جوان بيكر
•أينشتين و النسبية مصطفى محمود
•كون أينشتاين ميشيو كاكو
•A Brief History of Time Stephen Hawking
•The Elegant Universe Brian Greene
المقالات:
•الذكرى المئوية للنظرية النسبية العامة يوسف البناي
•عدسات الجاذبية في كوننا الأحدب يوسف البناي